لا يخفى على المجتمع بكافة مكوناته المخاطر الجسيمة للفساد واثره على نهوض الشعوب وبناء المؤسسات فهذه الآفة القاتلة تهتك المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا كون خيرات ومقدرات الدولة والمؤسسات التي لها علاقة بتقديم المنفعة للعموم هي اول من يتأثر في الفساد، لان المال العام بالأساس هو مخصص للصالح العام ولغايات تقديم الخدمات المتنوعة للمواطنين لغايات تلبيه احتياجاتهم اليومية الملحة، وبالتالي فان المساس بتلك الأموال يؤثر تلقائيا على كافة افراد المجتمع بكل اطيافه ومكوناته بغض النظر عن وضعه المعيشي والاجتماعي.
حدد قانون مكافحة الفساد المعدل رقم (1) لسنة 2005 في المادتين رقم (1) و (2) على التوالي الجهات التي تخضع لقانون مكافحة الفساد كجهات وشخصيات ومؤسسات يمكن للهيئة القيام بمهامها المتمثلة بقبول الشكاوى والبلاغات بحقها، ومن ثم القيام بأعمال البحث والتحري وجمع الاستدلالات اللازمة في حال تضمن تلك الشكاوى او البلاغات جرائم او شبهات وفق ما جاء في نص المادة رقم (2) من ذات القانون، بحيث أنه ولغايات اعتبار الشكوى او البلاغ متعلقة بجرائم فساد ولغايات تمكين الهيئة من القيام باختصاصاتها وصلاحياتها اصولا يجب توافر عنصرين مهمين الا وهما الأول ان تكون الجهة المشتكى عليها أو المبلغ عليها او ضدها تتوافق مع المادة (1) من القانون والشرط الاخر هو ان يكون موضوع الشكوى او البلاغ عن الوقائع او الجرائم او الشبهات أيضا متوافقة مع المادة (2) من القانون، وتعتبر هذه الخطوة من حيث سلامه عناصرها اهم شرط لغايات البدء بالاختصاص الذي حدده القانون بالبحث والتحري وجمع الاستدلالات واعمال الاستقصاء والتحقيقات وجمع الأدلة وفق القانون.
يعول الكثير على هيئة مكافحة الفساد في مكافحة هذه الجريمة بل ان البعض الأخير يلوم بالتقصير للهيئة في مباشرة اعمالها بالسؤال الدائم اين الهيئة من هذه الظاهرة ومن تلك الواقعة ومن تلك الإجراءات. وعليه، وكحد مانع لكل تلك التساؤلات والاستفسارات وحتى الانتقادات نرى انه عدا الشرط الأساسي الذي تم ذكره أعلاه بالاختصاص النوعي من ناحية الجهات الخاضعة بالتوافق مع الواقعة الجرمية المرتكبة التي يجب ان يكونا كلاهما من ضمن الجرائم المحددة وفق القانون التي تتيح للهيئة وفق القانون ان تباشر اعمالها اصولا في اعمال البحث والتحري وكافة الصلاحيات الأخرى ، لكن الإشارة الأساسية والاجراء الأهم لذلك ولغايات تثبيت واقعة وقاعدة ان محاربة الفساد ومكافحته هي مهمه مجتمعية تشاركية من كافة الجهات والمؤسسات والشرائح نرى ان تفعيل عملية التبليغ عن جرائم او شبهات الفساد هي اسمى سمات محاربة الفساد ومكافحته.
ان الجهات التي تخضع للهيئة وفق القانون كبيرة وواسعه فتبدأ من الجهات الرسمية والسيادية في الدولة بشخوصها الطبيعية والاعتبارية الى الجهات غير الرسمية من هيئات محلية وجمعيات واتحادات واندية ونقابات ومؤسسات مجتمع محلي ودولي بالإضافة للمؤسسات التي تقدم خدمة عامة للعموم وعليه ان حجم المسؤولية التي أوكلت على عاتق الهيئة كبير وضخم جدا وان الأساس في بناء مؤسسات خالية من الفساد تتسم بالنزاهة والحوكمة في أداء عملها يتطلب الكثير من الجهد التشاركي أولها التبليغ عن شبهات الفساد من خلال الوسائل التي اتاحتها الهيئة لكافة الجهات الشريكة والمساندة ولكل شرائح المجتمع وبأبسط الطرق حيث يمكن للفرد او الجهة او المؤسسة ان تقوم بالتبليغ عن وقائع الفساد المشتبهة من خلال التوجه لمقر الهيئة والتبليغ وتسليم الموظفين المختصين كافة المعلومات والبيانات التي تتعلق بالشبهة دون تحرير ذلك الشخص او تلك الجهة عن الاسم الشخصي لها وهو حق لها وفق الأصول كما اتاحت الهيئة للعموم ان يقوموا بالتبليغ عن وقائع الفساد او التي يحتمل ان يتخللها جرائم فساد من خلال الموقع الالكتروني الرسمي للهيئة حيث بالإمكان الدخول للموقع الالكتروني عبر البوابة المخصصة للتبليغ عن الواقعة وكتابة واضافة وتحميل كافة البيانات اللازمة وفق الأصول ودون شرط كتابة الاسم المبلغ عن الواقعة وبسرية تامة وامان وعليه يتحرك الموظفين ممن يحملون صفة الضبطية القضائية للمباشرة بالأعمال المختصين بها وفق القانون واتاحت الهيئة فرصا أخرى اكثر سهولة حيث اتاحت رقما هاتفيا مختصرا وهو (139) فبإمكان الجهة التي تريد تقديم معلومات او تضيف معلومات عن واقعة معينة ان تقوم بالاتصال على هذا الرقم ودون ضرورة الكشف عن اسم المتصل ، كما انه يوجد أساليب وخطوات أخرى يمكن تقديم معلومات عن الوقائع المراد التبليغ عنها والتي تتضمن في جوهرها شبهات فساد مثل الفاكس الرسمي للهيئة او عبر الهواتف الذكية عبر تحميل تطبيق الهيئة.
وعليه اتاحت هيئة مكافحة الفساد عدة وسائل وطرق وإجراءات لغايات استقبالها للبلاغات التي يرغب المواطنين والجهات بمشاركة الهيئة بها لغايات مباشرة اختصاصاتها فيها وفق الأصول، وذلك تأكيدا على مبدأ الهيئة بالانفتاح على الجميع واستقبال اراء المواطنين بالخصوص وبالتالي إضفاء الصفة الخاصة والقناعة التامة للجميع بان مهام القضاء على الفساد ومكافحته ومحاربته هي مهمه جماعية تشاركية يجب تضافر وتكاتف كافة الجهات مع الجهود لغايات الوصول للهدف الأساسي والسامي وهو مكافحه الفساد اذ ان الهيئة بحد ذاتها لا يمكن لها ان تحارب وتكافح الفساد وحدها بل لا بد من تشارك كافة شرائح المجتمع في تلك الخطوة لغايات الوصول للنتيجة المطلوبة بوطن سليم بمقدراته وخيراته.
ان الشعب العربي الفلسطيني هذا الشعب المناضل المضحي الذي قدم الشهداء والأسرى وكل تلك التضحيات عبر عقود من الزمن يستحق ان نحمي وان نحافظ ونصون ارث الشهداء بالحفاظ على دولتنا ومقدراتها وحماية مؤسساتنا التنموية الاجتماعية التي تهدف ككل لتقديم الرعاية والخدمات لعموم الشعب الفلسطيني، أولى خطوات مكافحة الفساد هو التبليغ عنه فلا تحرم بلدك من معلومة قد تؤدي الى إعادة أموال طائلة الى أصحابها الحقيقين وهم عموم الشعب الفلسطيني.
لؤي أبو سمارة
وحدة الشؤون القانونية
هيئة مكافحة الفساد