تعتبر الخدمات العامة الرقمية ضرورة حتمية. حيث ان اتباع بعض الدول لهذا النهج قد أدى الى تحسين الأداء في الخدمات العمومية المقدمة.
ولذلك، نجد في ألمانيا بأن المواطنين الذين يشعرون بالرضا عن الخدمات العامة، يشعرون أيضا بالثقة بالحكومة أكثر تسع مرات من أولئك الذين لا يشعرون بالرضا عن الخدمات العامة. وينظر الكثيرون إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أنها وسيلة فعالة من حيث التكلفة، بالإضافة إلى كونها سهلة لتحقيق الانفتاح والشفافية وللحد من الفساد. وقد بدأت العديد من المنظمات الدولية في التحقيق في تأثير الحكومة الإلكترونية في القضاء على الفساد. وعلى عكس المكاتب العادية، فإن المكاتب الرقمية مفتوحة للجمهور على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع - وتظل مفتوحة أثناء أزمات الصحة العامة مثل جائحة COVID-19. كما تستهلك التفاعلات الرقمية وقتًا أقل للأفراد وتقلل من العبء الإداري على الشركات، مما يمكن أن يساعد في دعم الأعمال مع تعافي الاقتصادات من آثار COVID-19.
علاوة على ذلك، تعمل أتمتة الخدمات العامة على تعزيز الإنتاجية بشكل كبير وتقليل الأعمال المتراكمة وتسريع الانتاجية، وهي ميزة أخرى في أعقاب COVID-19، أو عندما تكون السرعة والمرونة في تقديم الخدمات الحيوية (مثل الأمن والمساعدات الطبية) أمرًا بالغ الأهمية. كما سيستفيد موظفو القطاع العام من الرقمنة؛ إذ يمكن النظام الرقمي الموظفين من انجاز عدد أقل من المهام المتكررة.
إن كل هذه الإيجابيات تعمل على تمهيد الطريق لمستويات أعلى من الرضا الوظيفي، الأمر الذي يساعد في رفع الكفاءة. ومما لا شك فيه، بأن الحديث عن منظومة لمكافحة الفساد في القطاع الرقمي، خاصة في مرحلة التحضير للنظام الرقمي، يعد أمر مبكرا. وانما يأت هذه المقال ليستبق البيئة القانونية والإجراءات المطلوبة لوجود هذا النظام الرقمي في فلسطين. وعند النظر إلى دراسات المخاطرة المعدة من قبل دائرة المخاطر في هيئة مكافحة الفساد، عادة ما نلاحظ تكرار شبهات الفساد في بعض المجالات مثل المشتريات واللوازم العامة، البلديات والمجالس المحلية، الوزارات وخاصة وزارة الصحة والمالية، والمؤسسات القضائية. وعند محاكاة وجود نظام رقمي يحل محل كل من المجالات السابقة، لا بد لنسب شبهات الفساد أن تقل. إذ يمكن أن تساعد أنظمة الحكومة الرقمية في هذه العملية - على سبيل المثال، في حالة سنغافورة، يمكن الوصول إلى التقدم في جميع الدعاوى القضائية وقضايا الشرطة للجمهور من خلال القنوات عبر الإنترنت، الامر غير المعمول به حتى اللحظة في فلسطين.
يؤدي الحد من الفساد في المؤسسات العامة إلى رضى الجمهور وزيادة ثقته بالحكومة. وبعبارة أخرى، فإن تراجع الفساد الذي يمكن أن يشهده المواطنون والشركات، لا يحدث كنتيجة مباشرة لتطبيق الحكومة الرقمية، بل يرجع إلى انخفاض الفساد في المؤسسات العامة فعلا. إذ أنه ومع ظهور الحكومة الرقمية، يتمكن المواطنون من الوصول إلى المعلومات ويمكنهم حتى مراقبة العمليات الحكومية. حيث يتم توثيق الإجراءات والعمليات الحكومية ونشر المعلومات وإتاحتها عبر الإنترنت. إلى جانب زيادة الكفاءة، أدت هذه الشفافية المتزايدة الناتجة عن الاستخدام الشامل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والوصول إليها -عن غير قصد- إلى الحد من انتشار الفساد في البلدان التي طبقت النظام الرقمي في المؤسسات العامة.
أما في فلسطين وبسبب حداثة التحول الرقمي، لا يزال هنالك شح بالمصادر القانونية المنظمة لموضوع التحول الرقمي، إذ وكما تم ذكره سابقا، فإن الحكومة الفلسطينية ما زالت في مرحلة التحول ولم تصل بعد لمرحلة الحكومة الرقمية الجاهزة. لذلك،
وبالتمعن بالإطار القانوني والتشريعي لسياسة التحول الرقمي، نجد بان مجلس الوزراء الفلسطيني يعتمد بشكل عام على: إصدار لوائح تنظيمية لمنظومة الدفع المالي الالكتروني وتحديث قرار بقانون تسوية المدفوعات الوطني 2012، تحديث قرار بقانون المعاملات الإلكترونية لعام 2017 واستبدال اصدار الأنظمة واللوائح والتعليمات والسياسات الخاصة به، إصدار قانون خاص بالأرشفة وإدارة الوثائق في المؤسسات الحكومية، إقرار قانون الملكية الفكرية وبراءة الاختراع وتنظيم عملية نشر المعلومات، تعديل قانون المطبوعات والنشر في ظل انتشار النشر الالكتروني، تعديل مدونة السلوك الوظيفي بإضافة مادة تتعلق بتحديد صلاحيات الموظفين الحكوميين في النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تعديل بعض مواد قانون الشراء العام المتعلقة بالعطاءات الحكومية وإصدار سياسة خاصة مرجعية للجهات الحكومية فيما يتعلق بإعداد الشروط المرجعية ومواصفات المعدات والبرمجيات المقدمة للوازم العامة والرقابة على انفاذ هذه السياسة، بالإضافة إلى إقرار قانون حماية البيانات الشخصية وقانون حق الحصول على المعلومات.
بناءا على ما سبق، إن التحول الرقمي في المؤسسات العامة في فلسطين يسير على قدم وساق، إلا أن الافتقار للبنية التحتية القانونية تسمح بوجود ثغرات يمكن استغلالها لغرض الفساد. كما ان ندرة الموارد والخبرة بالتعامل في هذا الموضوع، تحتم علينا النظر بعين الحذر للتكلفة، الجهد، والشكل الممكن للنظام الرقمي الجديد.
أحمد الأطرش
رئيس قسم البحوث والدراسات القانونية / وحدة الشؤون القانونية
هيئة مكافحة الفساد