لقد تناول الفصل الثاني من الاتفاقية الأممية التدابير الوقائية لمكافحة الفساد، على شكل مجموعة من المعايير والتدابير التي يمكن أن تقدم للدول الأطراف القواعد العامة التي تشكل الإطار المرجعي للقوانين والإجراءات الوطنية داخل هذه الدولة، باعتبار أن الفساد وما يشكله من خطورة على التنمية المستدامة وعلى استقرار الشعوب والأمم أخطر ما يواجه العالم، وتعتمد هذه الاتفاقية على عدد من المبادئ والقواعد التي تشكل الأساسي في علاقة الدول الأطراف من خلال التعاون وتبادل الخبرات وصولاً لأفضل الممارسات في مكافحة الفساد.
وقد نصت الاتفاقية في فصلها الثاني على مجموعة من المبادئ التي تشكل الأساس المرجعي للنظام القانوني لكل الدول الأطراف، ومن بينها ما يتعلق في عمليات التوظيف أو الشراء العام وإدارة المال العام والتدابير الوقائية المتعلقة بالجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة، وغيرها من الجوانب ذات الأهمية في الإدارة العامة داخل المجتمعات، وقد جاء القانون الفلسطيني منسجماً مع الاتفاقية الأممية فيما يتعلق بالتدابير الوقائية ونشر ثقافة النزاهة والشفافية، ورسم السياسة العامة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها.
إنّ النهج الوقائي الذي تبناه القانون الفلسطيني والذي يقوم على تعزيز الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية في مكافحة الفساد يتطلب العمل على مستويين، وهما:
أولاً: على مستوى الإجراءات والتدابير المتخذة على مستوى الإدارة العامة وفق الآتي:
خلق بيئة تشريعية ناظمة ومتوائمة مع مبادئ الحكومة من خلال مراجعة التشريعات الحالية على مستوى الأنظمة والقوانين بما يضمن تعزيز قيم النزاهة والرقابة القبلية على مختلف العمليات من خلال تبني أنظمة تفسيرية توضح آليات اتخاذ القرارات وتحديد مستويات الرقابة الداخلية.
ضبط البيئة الإدارية بما يضمن تعزيز بيئة النزاهة من خلال هياكل تنظيمية تحدد المسؤوليات والمهام على مختلف المستويات.
تفعيل دور الرقابة الداخلية على مختلف العمليات داخل المؤسسات وإجراء تقييم دوري ضمن مؤشرات قياس مناسبة وتقديم التغذية الراجعة لأصحاب القرار.
تحديد العلاقة بين مستويات (صناعة القرار) و (اتخاذ القرار) ضمن أدلة إجراءات ملزمة توضح العلاقة بين مختلف المستويات وتحدد العلاقات الأفقية والهرمية.
تفعيل التدقيق الخارجي لتعزيز الحيادية في دراسة واقع المؤسسات بشكل عام.
إجراء دراسات لمخاطر الفساد المحتملة في مختلف العمليات الداخلية وتبني نظام إدارة جودة لضمان تجويد الخدمات المقدمة من المؤسسات العامة.
ثانياً: المستوى التوعوي والتدريبي الذي يهدف إلى إكساب العاملين مهارات ومعارف وسلوكيات منسجمة مع أخلاقيات المجتمع والمهنة من خلال:
تبني مدونات سلوكية تحدد القيم المرغوبة وتحد من السلوكيات غير المناسبة في بيئة العمل.
عقد اللقاءات التوعوية حول الأنظمة والقوانين ذات العلاقة بمكافحة الفساد
تبني برامج تدريبية لإكساب العاملين في المؤسسات العامة المهارات العملية التي تضمن رفع كفاءة الأداء.
إدماج قيم النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد في المنهاج والقرارات الدراسية لطلبة المدارس والجامعات على مستوى الأنشطة اللامنهجية.
وقد تبنت هيئة مكافحة الفساد بموجب الخطة الاستراتيجية عبر القطاعية عدد من الأنشطة والبرامج في مجالي التدابير الوقائية والأنشطة التوعوية بالشراكة مع مؤسسات القطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات التربوية والأكاديمية.
حيث أجرت الهيئة عدد من الدراسات الهادفة لتعزيز بيئة النزاهة قس عدد من العمليات كهيئة الإمداد والتجهيز ووزارة الأوقاف ونظام الكوتا السلعية، وسلطة الأراضي، وقد شكلت هذه الدراسات الفضاء المشترك بين الهيئة وشركائها في تعزيز الإجراءات الوقائية التي من شأنها تعزيز قيم النزاهة والشفافية في هذه المؤسسات.
وفي هذا الإطار شكلت الهيئة عدة فرق مشتركة مع عدد من مؤسسات القطاع العام لدراسة واقع النزاهة والحوكمة فيها، وذلك ايماناً منها بأهمية التدابير الوقائية في الحد من مخاطر الفساد، حيث تم الانتهاء من إعداد دراسات حول بيئة النزاهة في سلطة الأراضي ووزارة الصحة (التأمين الصحي، التحويلات الطبية، رسوم إيرادات المستشفيات) وفي وزارة العدل وهيئة الإمداد والتجهيز، كما تم تشكيل لجان امتثال في هذه المؤسسات بالشراكة مع هيئة مكافحة الفساد لمتابعة التوصيات التي توصلت لها هذه الدراسات.
وتستمر هيئة مكافحة الفساد خلال العام 2023 بذات السياسة وهي التركيز على التدابير الوقائية، بهذا الصدد تتضمن الخطط التشغيلية للإدارات ذات الاختصاص مجموعة من التدخلات المنسجمة مع هذا التوجه الهادف لزيادة التدابير الوقائية لتحصين البيئة الإدارية في مختلف المؤسسات العامة.